يحذر وزير المالية الإسرائيلي يائير لابيد، من أنّ المقاطعة الأوروبية للمستوطنات الإسرائيلية ستضرب جيوب الإسرائيليين العاديين. ويخبرني عامل فلسطيني بسيط في مصنع بمستوطنة شرقي القدس، أنّهم باتوا يمنحونهم إجازات أكثر، ويعملون ساعات أقل، ويقلصون العمالة، لأنّ السوق الألمانية التي اعتادت شراء منتجاتهم، صارت تستورد بضائع مشابهة من تركيا.
وبحسب تقرير لوكالة أنباء "أسوشيتدبرس"، قبل شهر، فقد انخفضت صادرات المزارعين في المستوطنات الإسرائيلية العام الماضي، بنسبة 14 %، أو ما يعادل 29 مليون دولار. وبحسب مزارع مستوطنين صهاينة، لم تعد أوروبا الغربية تستورد شيئا من منتجاتهم تقريباً.
ولا تقتصر خسائر الإسرائيليين على الصادرات؛ فقد بدأت المقاطعة تصل الشركات التي تستثمر في المستوطنات. من ذلك تراجع صندوق التقاعد النرويجي، الذي يملك استثمارات حول العالم بقيمة 820 مليار دولار، وليكون ربما أكبر صندوق سيادي في العالم، عن الاستثمار في شركتين إسرائيليتين، بعد أن اتضح أنهما تعملان في مستوطنات القدس الشرقية. وتُراجع "فايتنس" الهولندية مشاريعها مع شركة المياه الإسرائيلية "مكروت"، بسبب نشاطها في المستوطنات. هذا إضافة إلى مقاطعة بنوك دنماركية للاستثمار في شركات إسرائيلية.
شجعت المقاطعة وزراء إسرائيليين على الدعوة لوقف الاستيطان، على الأقل جزئيا؛ مثل تسيبي ليفني ويائير لابيد. وواقع الأمر أنّه يمكن الاعتقاد بسهولة أنّ اتساع المقاطعة سيؤدي إلى تردد، نسبي على الأقل، لدى بعض الأحزاب بشأن الاستمرار في التوسع في بناء المستوطنات. فحزب "إسرائيل بيتنا"، بقيادة الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان، والشريك مع كتلة الليكود التي تقود الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، لا يعارض جذريا الانسحاب من الضفة الغربية، والأولوية لديه هي نقاء الدولة اليهودية؛ بطرد أكبر قدر من العرب منها. وهو يطرح طرد العرب من الأراضي المحتلة العام 1948 إلى الضفة الغربية، إذا أصبحت دولة فلسطينية. كما أن حركة "شاس" لا تحمل موقفا أيديولوجيا من المستوطنات؛ على العكس، تشكل المستوطنات قاعدة حزب "البيت اليهودي"، منافس الحركة الأساسي حاليا. وبالتالي، يكاد يقترب موقف "شاس" من المستوطنات إلى السلبية. وقد وجهت الحركة انتقادات فعلية علنية للاستيطان. والآن، سيطالب المستوطنون بتعويضات على المقاطعة، ما سيثير حفيظة "شاس". وقد علقت مصادر وزارة الخارجية التي يسيطر عليها حزب "إسرائيل بيتنا"، على لسان مسؤول فيها، لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، بالقول: "لا نستطيع القتال ضد إرادة المقاطعة الأوروبية". وأن "ظاهرة المقاطعة مشتقة من قضية حقيقية، هي البناء في المستوطنات. وطالما استمرت إسرائيل في البناء، ستستمر هذه الظاهرة، وسيكون صعبا منعها من دون معالجة القضايا السياسية".
يحتل حزب "إسرائيل بيتنا" 11 مقعدا في الكنيست، وحزب "يوجد مستقبل" 19 مقعدا، وحزب "الحركة" 6 مقاعد، لتشغل هذه الأحزاب معا 36 مقعدا من الائتلاف الحكومي. وأزعم أنّه يمكنها، في حالة معينة، التخلي عن الاستيطان. فيما يحتل الحزبان الداعمان للاستيطان بشكل كبير 32 مقعدا (الليكود 20، والبيت اليهودي 12). ولكن "إسرائيل بيتنا" هو جزء من كتلة واحدة مع الليكود، ما قد يعقّد احتمالات اتخاذ موقف مخالف، ولكن في المدى الزمني المتوسط هذا غير مستبعد.
وإذا أخذنا البرلمان ككل، فإنّ الأحزاب التي يمكن أن تقف ضد الاستيطان، أو بالتأكيد تقف ضدها، تشكل 43 مقعدا (العمل 15، وشاس 11، وميرتس 6، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة 4، والقائمة العربية الموحدة 4، والتجمع الوطني الديمقراطي 3). أما الأحزاب التي هي بالتأكيد مع الاستيطان أو على الأرجح معه (من خارج الائتلاف الحكومي) فهي حزب التوراة الموحد (7 مقاعد)، وكاديما (مقعدان). وبحساب إجمالي الأحزاب المؤيدة بالضرورة، فهي أحزاب لديها 41 مقعدا. ويبقى أحزاب تعارض الاستيطان أو يمكن أن تعارضه ولو جزئيا، بـ79 مقعدا.
بطبيعة الحال، يملك المستوطنون أدوات سوى مقاعد الكنيست. فهناك بناهم الأيديولوجية وشبه العسكرية، وهناك أيضا مستثمرون ورجال أعمال وشركات أمن واستثمار، وهناك جنرالات جيش وأمن؛ كلهم يمكن أن يلعبوا دورا ضد تقليص الاستيطان، لتعارض هذا مع مصالحهم. ولكن في المقابل، هناك شركات وقطاعات ستتضرر من المقاطعة، وستلعب دورا مضادا.
بكلمات أخرى، إذا استمر اتساع المقاطعة، وحَسُنَت إدارتها، فقد تصبح مؤثرة حقا، خصوصاً إذا تم إقناع دول مثل الصين والهند وروسيا بضرورة الانضمام للمقاطعة، وإذا استمر التحول في موقف قطاعات أكاديمية وكنسية إنجيلية أميركية.
