الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الشافع المشفع في يوم المحشر. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم على الأثر.
أما بعد: فيا عباد الله: روى مسلم في صحيحه، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- يُسأل عن الورود في قوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) [مريَم:71] فقال: "نجيء نحن يوم القيامة على كُوْم فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد: الأول، فالأول؛ ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا. فيقول: أنا ربكم، فيقولون حتى ننظر إليك. فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم فيتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورًا ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ مَن شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألف لا يحاسَبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة، ويشفعون، حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويَجْعَلُ أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ويذهب حُرَاقُهُ، ثم يَسْأَل حتى يَجْعَل لَه الدنيا وعشرة أمثالها معها".
فتنبهوا عباد الله لما أمامنا: في البرزخ، وفي القيامة، وفي داري الجزاء، وتفكروا في معاني هذا الحديث، وانظروا معاملة الله -سبحانه وتعالى- لأهل توحيده الذين عبدوه وحده ولم يشركوا به شيئًا هذه المعاملة، ومعاملته أهل الشرك به، حيث ذهبت كل أمة مع معبودها فانطلق بها واتَّبعته إلى النار، وانطلق المعبود الحق واتَّبعه أولياؤه وعابدوه، فسبحان الله رب العالمين، الذي قرت عيون أهل التوحيد به في الدنيا والآخرة، وفارقوا الناس فيه أحوج ما كانوا إليهم.
إن أحسن الحديث ...